كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فهذا حظ العبد من هذا الاسم وهو اكتساب الصورة العلمية المطابقة للصورة الوجودية فإن العلم صورة في النفس مطابقة للمعلوم وعلم الله عز وجل بالصور سبب لوجود الصور في الأعيان والصورة الموجودة في الأعيان سبب لحصول الصور العلمية في قلب الإنسان وبذلك يستفيد العبد العلم بمعنى اسم المصور من أسماء الله سبحانه وتعالى ويصير أيضا باكتساب الصورة في نفسه كأنه مصور وإن كان ذلك على سبيل المجاز فإن تلك الصور العلمية إنما تحدث فيه على التحقيق بخلق الله تعالى واختراعه لا بفعل العبد ولكن العبد يسعى في التعرض لفيضان رحمة الله تعالى عليه ف {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} 13 سورة الرعد الآية 11 ولذلك قال: «إن لربكم في أيام دهركم نفخات من رحمته ألا فتعرضوا لها».
وأما الخالق البارئ فلا مدخل للعبد أيضا في هذين الاسمين إلا بنوع من المجاز بعيد ووجهه أن الخلق والإيجاد يرجع إلى استعمال القدرة بموجب العلم وقد خلق الله تعالى للعبد علما وقدرة وله سبيل إلى تحصيل مقدوراته على وفق تقديره وعلمه.
والأمور الموجودة تنقسم إلى ما لا يرتبط حصولها بقدرة العباد أصلا كالسماء والكواكب والأرض والحيوان والنبات وغير ذلك وإلى ما لا حصول لها إلا بقدرة العباد وهي التي ترجع إلى أعمال العباد كالصناعات والسياسات والعبادات والمجاهدات فإذا بلغ العبد في مجاهدة نفسه بطريق الرياضة في سياستها وسياسة الخلق مبلغا ينفرد فيها باستنباط أمور لم يسبق إليها ويقدر مع ذلك على فعلها والترغيب فيها كان كالمخترع لما لم يكن له وجود من قبل إذ يقال لواضع الشطرنج إنه الذي وضعه واخترعه حيث وضع ما لم يسبق إليه إلا أن وضع ما لا خير فيه لا يكون من صفات المدح.
وكذلك في الرياضات والمجاهدات والسياسات والصناعات التي هي منبع الخيرات صور وترتيبات يتعلمها الناس بعضهم من بعض ويرتقي لا محالة إلى أول مستنبط وواضع فيكون ذلك الواضع كالمخترع لتلك الصورة والخالق المقدر لها حتى يجوز إطلاق الاسم عليه مجازا. ومن أسماء الله تعالى ما يكون نقلها إلى العبد مجازا وهو الأكثر ومنها ما يكون في حق العبد حقيقة وفي حق الله تعالى مجازا كالصبور والشكور ولا ينبغي أن تلاحظ المشاركة في الاسم وتذهل عن هذا التفاوت العظيم الذي ذكرناه.
الغفار هو الذي أظهر الجميل وستر القبيح والذنوب من جملة القبائح التي سترها بإسبال الستر عليها في الدنيا والتجاوز عن عقوبتها في الآخرة والغفر هو الستر.
وأول ستره على العبد أن جعل مقابح بدنه التي تستقبحها الأعين مستورة في باطنه مغطاة بجمال ظاهره فكم بين باطن العبد وظاهره في النظافة والقذارة وفي القبح والجمال فانظر ما الذي أظهره وما الذي ستره.
وستره الثاني أن جعل مستقر خواطره المذمومة وإرادته القبيحة سر قلبه حتى لا يطلع أحد على سره ولو انكشف للخلق ما يخطر بباله في مجاري وسواسه وما ينطوي عليه ضميره من الغش والخيانة وسوء الظن بالناس لمقتوه بل سعوا في تلف روحه وأهلكوه فانظر كيف ستر عن غيره أسراره وعوراته.
وستره الثالث مغفرته ذنوبه التي كان يستحق الافتضاح بها على ملأ الخلق وقد وعد أن يبدل سيئاته حسنات ليستر مقابح ذنوبه بثواب حسناته مهما مات على الإيمان.
تنبيه:
حظ العبد من هذا الاسم أن يستر من غيره ما يجب أن يستر منه فقد قال النبي «من ستر على مؤمن عورته ستر الله عز وجل عورته يوم القيامة» والمغتاب والمتجسس والمكافئ على الإساءة بمعزل عن هذا الوصف.
وإنما المتصف به من لا يفشى من خلق الله تعالى إلا أحسن ما فيه ولا ينفك مخلوق عن كمال ونقص وعن قبح وحسن فمن تغافل عن المقابح وذكر المحاسن فهو ذو نصيب من هذا الوصف كما روي عن عيسى صلوات الله عليه أنه مر مع الحواريين بكلب ميت قد غلب نتنه فقالوا ما أنتن هذه الجيفة فقال عيسى عليه السلام ما أحسن بياض أسنانه تنبيها على أن الذي ينبغي أن يذكر من كل شيء ما هو أحسن.
القهار هو الذي يقصم ظهور الجبابرة من أعدائه فيقهرهم بالإماتة والإذلال بل الذي لا موجود إلا وهو مسخر تحت قهره ومقدرته عاجز في قبضته.
تنبيه:
القهار من العباد من قهر أعداءه وأعدى عدو الإنسان نفسه التي بين جنبيه فهي أعدى له من الشيطان الذي قد حذر عداوته ومهما قهر شهوات نفسه فقد قهر الشيطان إذ الشيطان يستهويه إلى الهلاك بواسطة شهواته.
وإحدى حبائك الشيطان النساء ومن فقد شهوة النساء لم يتصور أن ينعقل بهذه الأحبولة فكذلك من قهر هذه الشهوة تحت سطوة الدين وإشارة العقل ومهما قهر شهوات النفس فقد قهر الناس كافة فلم يقدر عليه أحد إذ غاية.
أعدائه السعي في إهلاك بدنه وذلك إحياء لروحه فإن من مات عن شهواته في حياته عاش في مماته {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين} 3 سورة آل عمران الآية 169 و170.
الوهاب: الهبة هي العطية الخالية عن الأعواض والأغراض فإذا كثرت العطايا بهذه الصفة سمي صاحبها وهابا وجوادا ولن يتصور الجود والهبة حقيقة إلا من الله تعالى فإنه الذي يعطي كل محتاج ما يحتاج إليه لا لعوض ولا لغرض عاجل ولا آجل ومن وهب وله في هبته غرض يناله عاجلا وآجلا من ثناء أو مدح أو مودة أو تخلص من مذمة أو اكتساب شرف وذكر فهو معامل معتاض وليس بوهاب ولا جواد فليس العوض كله عينا يتناول بل كل ما ليس بحاصل ويقصد الواهب حصوله بالهبة فهو عوض ومن وهب وجاد ليشرف أو ليثنى عليه أو لئلا يذم فهو معامل وإنما الجواد الحق هو الذي يفيض منه الفوائد على المستفيد لا لغرض يعود إليه بل الذي يفعل شيئا لو لم يفعل لكان يقبح به فهو بما يفعله متخلص وذلك غرض وعوض.
تنبيه:
لا يتصور من العبد الجود والهبة فإنه ما لم يكن الفعل أولى به من الترك لم يقدم عليه فيكون إقدامه لغرض نفسه ولكن الذي يبذل جميع ما يملكه حتى الروح لوجه الله عز وجل فقط لا للوصول إلى نعيم الجنة أو الحذر من عذاب النار أو لحظ عاجل أو آجل مما يعد من حظوظ البشرية فهو جدير بأن يسمى وهابا وجوادا ودونه الذي يجود لينال نعيم الجنة ودونه من يجود لينال حسن الأحدوثة وكل من لم يطلب عوضا يتناول سمي جوادا عند من يظن أن لا عوض إلا الأعيان.
فإن قلت فالذي يجود بكل ما يملكه خالصا لوجه الله تعالى من غير توقع حظ عاجل أو آجل كيف لا يكون جوادا ولا حظ له أصلا فيه.
فنقول حظه هو الله تعالى ورضاؤه ولقاؤه والوصول إليه وذلك هو السعادة التي يكتسبها الإنسان بأفعاله الاختيارية وهو الحظ الذي تستحقر سائر الحظوظ في مقابلته.
فإن قلت فما معنى قولهم إن العارف بالله تعالى هو الذي يعبد الله عز وجل خالصا لله لا لحظ وراءه فإن كان لا يخلو فعل العبد عن حظ فما الفرق بين من يعبد الله تعالى لله خالصا وبين من يعبده لحظ من الحظوظ فاعلم أن الحظ عبارة عند الجماهير عن الأغراض أو الأعواض المشهورة عندهم ومن تنزه عنها ولم يبق له مقصد إلا الله تعالى فيقال إنه قد برئ من الحظوظ أي عما يعده الناس حظا وهو كقولهم إن العبد يراعي سيده لا لسيده ولكن لحظ يناله من سيده من نعمة أو إكرام والسيد يراعي عبده لا لعبده ولكن لحظ يناله منه بخدمته وأما الوالد فإنه يراعي ولده لذاته لا لحظ يناله منه بل لو لم يكن منه حظ أصلا لكان معنيا بمراعاته.
ومن طلب شيئا لغيره لا لذاته فكأنه لم يطلبه فإنه ليس غاية طلبه بل غاية طلب غيره كمن يطلب الذهب فإنه لا يطلبه لذاته بل ليتوصل به إلى المطعم والملبس والمطعم والملبس لا يرادان لذاتهما بل للتوصل بهما إلى جلب اللذة ودفع الألم واللذة تراد لذاتها لا لغاية أخرى وراءها وكذا دفع الألم فيكون الذهب واسطة إلى الطعام والطعام واسطة إلى اللذة واللذة هي الغاية وليست واسطة إلى غيرها وكذلك الولد ليس واسطة في حق الوالد بل مطلوبه سلامة الولد لذات الولد لأن عين الولد حظه.
فكذلك من يعبد الله عز وجل للجنة فقد جعل الله سبحانه وتعالى واسطة طلبه ولم يجعله غاية مطلبه وعلامة الواسطة أنه لو حصلت الفائدة دونها لم تطلب كما لو حصلت المقاصد دون الذهب لم يكن الذهب محبوبا ولا مطلوبا فالمحبوب بالحقيقة الغاية المطلوبة دون الذهب ولو حصلت الجنة لمن يعبد الله لأجلها دون عبادة الله عز وجل لما عبد الله فمحبوبه ومطلوبه الجنة إذا لا غير وأما من لم يكن له محبوب سوى الله عز وجل ولا مطلوب سواه بل حظه الابتهاج بلقاء الله تعالى والقرب منه والمرافقة مع الملأ الأعلى المقربين من حضرته فيقال إنه يعبد الله تعالى لله لا على معنى أنه غير طالب للحظ بل على معنى أن الله عز وجل هو حظه وليس يبغي وراءه حظا.
ومن لم يؤمن بلذة البهجة بلقاء الله عز وجل ومعرفته والمشاهدة له والقرب منه لم يشتق إليه ومن لم يشتق إليه لم يتصور أن يكون ذلك من حظه فلم يتصور أن يكون ذلك مقصده أصلا فلذلك لا يكون في عبادة الله تعالى إلا كالأجير السوء لا يعمل إلا بأجرة طمع فيها وأكثر الخلق لم يذوقوا هذه اللذة ولم يعرفوها ولا يفهمون لذة النظر إلى وجه الله عز وجل وإنما إيمانهم بذلك من حيث النطق باللسان فأما بواطنهم فإنها مائلة إلى التلذذ بلقاء الحور العين ومصدقة به فقط فافهم من هذا أن البراءة من الحظوظ محال إن كنت تجوز أن يكون الله تعالى أي لقاءه والقرب منه مما يسمى حظا وإن كان الحظ عبارة عما يعرفه الجماهير وتميل إليه قلوبهم فليس هذا حظا وإن كان عبارة عما حصوله أو في من عدمه في حق العبد فهو حظ.
الرزاق هو الذي خلق الأرزاق والمرتزقة وأوصلها إليهم وخلق لهم أسباب التمتع بها.
والرزق رزقان ظاهر وهي الأقوات والأطعمة وذلك للظواهر وهي الأبدان وباطن وهي المعارف والمكاشفات وذلك للقلوب والأسرار وهذا أشرف الرزقين فإن ثمرته حياة الأبد وثمرة الرزق الظاهر قوة الجسد إلى مدة قريبة الأمد والله عز وجل هو المتولي لخلق الرزقين والمتفضل بالإيصال إلى كلا الفريقين ولكنه يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر.
تنبيه:
غاية حظ العبد من هذا الوصف أمران:
أحدهما أن يعرف حقيقة هذا الوصف وأنه لا يستحقه إلا الله عز وجل فلا ينتظر الرزق إلا منه ولا يتوكل فيه إلا عليه كما روي عن حاتم الأصم رحمه الله أنه قال له رجل من أين تأكل فقال من خزانته فقال الرجل أيلقي عليك الرزق من السماء فقال لو لم تكن الأرض له لكان يلقيه من السماء فقال الرجل إنكم تقولون الكلام فقال لأنه لم ينزل من السماء إلا الكلام فقال الرجل إني لا أقوى على مجادلتك فقال لأن الباطل لا يقوى مع الحق.
الثاني أن يرزقه علما هاديا ولسانا مرشدا معلما ويدا منفقة متصدقة ويكون سببا لوصول الأرزاق الشريفة إلى القلوب بأقواله وأعماله ووصول الأرزاق إلى الأبدان بأفعاله وأعماله وإذا أحب الله عبدا أكثر حوائج الخلق إليه ومهما كان واسطة بين الله وبين العباد في وصول الأرزاق إليهم فقد نال حظا من هذه الصفة قال رسول لله «الخازن الأمين الذي يعطي ما أمر به طيبة به نفسه أحد المتصدقين وأيدي العباد خزائن الله تعالى»؛ فمن جعلت يده خزانة أرزاق الأبدان ولسانه خزانة أرزاق القلوب فقد أكرم بشوب من هذه الصفة.
الفتاح: هو الذي ينفتح بعنايته كل منغلق وبهدايته ينكشف كل مشكل فتارة يفتح الممالك لأنبيائه ويخرجها من أيدي أعدائه ويقول: {إنا فتحنا لك فتحا مبينا} 48 سورة الفتح الآية 1 وتارة يرفع الحجاب عن قلوب أوليائه ويفتح لهم الأبواب إلى ملكوت سمائه وجمال كبريائه ويقول: {ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها} 35 سورة فاطر الآية 2 ومن بيده مفاتح الغيب ومفاتيح الرزق فبالحري أن يكون فتاحا.
تنبيه: